. قدرة الله تعالى
المطلقة يراها الإنسان في أكبر الأشياء وأبسطها ولا تقتصر على فرد دون آخر
يراها جميع الخلق ليلا ونهارا وكل واحد لابد وأنه صاح في يوم من الأيام
{الله موجود} أو {ربك يمهل ولا يهمل} وهو يرى طلاقة القدرة تتجلى لتنصر
مظلوما ضعيفا على ظالم قوي أو تقتص من إنسان ارتكب جريمة وحسب أنه نجا من
العقاب أو لتعيد حقا ضاع من صاحبه وحسب الناس أنه ضاع إلى الأبد أو لتزيل
ظلما أو لتقعد جبارا كان يؤذي الناس لتجعله عاجزا عن رد الأذى عن نفسه تلك
كلها طلاقة القدرة ... وكلمة يارب التي تخرج من قلب مظلوم لا حول له ولا
قوة يتبعها تدخل السماء لتزيل ظلما وتعيد حقا وتصحح الموازين في الأرض
وإذا كانت طلاقة القدرة باقية في الكون فأساس بقائها أنها تذكرنا بالله
تعالى الذي يملك القدرة المطلقة التي تعطيك بلا حساب وبذلك تعرف جيدا أن
الذي يغريك بماله أو بمكانته لتفعل له ما يريد منك ، تذكرك بأن الله هو
الرزاق يرزق من يشاء بغير حساب ، ذلك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
وتأكد طلاقة القدرة أن المال والجاه أمران زائلان إذا استغلهما صاحبهما في
معصية الله تعالى
على أن الله تعالى لم يجعل طلاقة القدرة غيبا عنا ولا جعلنا نجهلها ولا
نعرف عنها بل ذكرها في مواضع كثيرة من القرآن الكريم بحيث نجد في سورة
القرآن ما يشير إلى ذلك فاقرأ إن شئت قول الله تعالى (( يختص برحمته من
يشاء )) البقرة 105 وقوله (( يعذب من يشاء يغفر لمن يشاء )) المائدة 40
وقوله (( يضل من يشاء ويهدي من يشاء )) النحل 93 وقوله (( قل اللهم مالك
الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء
بيدك الخير إنك على كل شيء قدير )) آل عمران 26 نجد أن الله تعالى قد
أعطانا طلاقة القدرة في هذه الآيات وما هذه الآيات إلا مثل فقط إن الله
تعالى لم يجعل طلاقة قدرته سرا على عباده بل أنبأهم بطلاقة هذه القدرة
ووجودها وقول الله تعالى في الآية الكريمة (( إنما أمره إذا أراد شيئا أن
يقول له كن فيكون )) يس 82 هو فعلا طلاقة القدرة ذلك أن هذه الآية تنبئنا
بأنه ليس عند الله تعالى أسباب وأنه إذا كان قد خلق الأسباب لتنظيم الحياة
على الأرض فهي ليست قيدا على مشيئته سبحانه ولو كانت قيدا لقال لنا الله
تعالى إنه إذا أراد شيئا هيأ له الأسباب ليكون ولكن كلمة (كن) معناها أنه
لا دخل للأسباب هنا وأن الشيء يوجد أو يعدم بمجرد قول الله تعالى كن فيوجد
أو يعدم دون أسباب أو مسببات وخلق السماوات السبع وما فيهن والأراضين
السبع وما فيهم كان بكلمة كن وخلق الملائكة والجن والإنس كان بكلمة كن
ويقول المولى جل وعلا (( يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو
يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما )) الشورى 92 والحكمة هنا أنه
رغم أن الله تعالى قد جعل السبب في الذرية من ذكر وأنثى أي أنه لا يتم
الإنجاب إلا باجتماع الذكر والأنثى إلا أن طلاقة القدرة تجعل من يشاء
عقيما أي أنه رغم اجتماع الذكر والأنثى لا يتم الإنجاب وتتوقف الأسباب
أمام مشيئة الخالق الوهاب واجتماع الذكر والأنثى ليس السبب الوحيد في
الإنجاب فإن القدرة المطلقة لله جل وعلا خلقت سيدنا آدم دون اجتماع لذكر
أو أنثى وهو كما نعلم خلق بدون أب أو أم والقدرة المطلقة لله تعالى خلقت
السيدة حواء من ضلع سيدنا آدم وبدون أم وطلاقة القدرة خلقت سيدنا عيسى
عليه السلام من أم دون أب وخلقت جميع البشر من أب وأم والقدرة المطلقة لله
عز وجل خلقت بعض الكائنات بدون أب أو أم مثل ناقة سيدنا صالح عليه السلام
وكبش سيدنا اسماعيل عليه السلام هذا ما قاله الله تعالى في القرآن الكريم
عن طلاقة القدرة فإذا جئنا إلى التطبيق وجدنا أن طلاقة القدرة ظاهرة واضحة
في الرسل عليهم السلام فمعجزاتهم كلها تأتي بطلاقة القدرة وليس بالأسباب
فالماء لاينزل منهمرا يغرق الأرض كاملة في الغالب ، وعندما دعت طلاقة
القدرة لإهلاك الكافرين بدعاء سيدنا نوح عليه السلام (( رب لا تذر على
الأرض من الكافرين ديارا )) نوح 26 فتحت ينابيع من السماء والأرض ليكون
الطوفان والسكين يقطع غالبا إذا قدم له شيء قابل للقطع وعندما أراد سيدنا
إبراهيم أن يذبح ولده إسماعيل وذلك لِما رأى في المنام ورؤيا الأنبياء حق
، السكين لم يذبح ، وكذلك النار من شأنها الإحراق إذا قدم لها شيء قابل
للإحراق وجسم الخليل إبراهيم قابل للحرق ولكن شاءت طلاقة القدرة أن يسلم
الخليل إبراهيم فأصبحت لا تحرقه ولا تؤذيه وسيدنا موسى عليه السلام عاش مع
طلاقة القدرة طول عهد نبوته نظرا للمعصية المستمرة من بني إسرائيل فقد قال
الله له (( اضرب بعصاك البحر )) الشعراء 63 فانفلق وظهر قاعه ووقف الماء
الذي من خاصيته الاستطراق وقف ساكنا بعيدا عن الأرض بقدرة الله تعالى
المطلقة وعبر موسى وقومه وأراد موسى أن يضرب البحر مرة أخرى ليعود كما كان
قبل أن يلحق بهم فرعون وجنوده فضرب البحر مرة أخرى لكن البحر لم ينفذ
الأمر لأن الأمر لم يصدر له بعد فقال الله تعالى (( اترك البحر رهوا إنهم
جند مغرقون )) الدخان 24 وعندما استسقى موسى لقومه قال تعالى (( اضرب
بعصاك الحجر )) البقرة 60 عندئذ خرج الماء من الحجر وشرب القوم ولو أن
موسى عليه السلام قام بحفر حفرة للبحث عن الماء لقلنا إنه اتخذ الأسباب
ولكن لمجرد ضربه الحجر بعصاه انفجر منه الماء لا عينا واحدة ولكن اثنتا
عشرة عينا كل هذا من طلاقة القدرة
هذا والله تعالى ورسوله والمؤمنون أعلى والله تعالى أعلم
أنس فرج محمد فرج
