بقلم - طالب محمد
ماذا يعني أن تكون صادقا وماذا يعني أن تكون محبا في الفن.. الفن بحد
ذاته حب والذين يظنون أنهم فنانون لم يصلوا للفن والشهرة إلا بالحب وأعني
الصادقين وبالمقابل هناك من وصلوا لبوابات الفن وتعدوها ووصلوا القمم
ولكنهم وصلوا بالوساطة والمصالح والتنفيه وحتى أحيانا بالشهادات الرخيصة..
الفن صدق والصدق ينبوع من المشاعر الرقراقة التي لا تشوبها شائبة لأن
العازف عندما يمسك بآلة الكمنجة مثلا تراه يحتضنها بحب وعمق فآلة مثل
الكمنجة إذا لم تعطها حبا عميقا فإنها لا تعطيك لحنا جميلا مع أن هذه
الآلة من الآلات الحزينة جدا.. نفس الفنان الذي يضحك الملايين ليموت فقيرا
معدما لم يكن يملك قوت يومه وكان ذلك في زمن الفن الصادق أما هذا الزمن
فالفن والفنانون وبعض الأدباء منهم... فإنهم - للأسف - لا يملكون من الفن
غير الاسم كجواز سفر إلى دنيا المعيشة اليومية وشحت لقمة الخبز الممتلئة
بالشوائب.
إن الفن في منظومة الصدق أو العكس شيئان يسيران في الفعل والوجود ولكن
يحتاجان إلى ضمير حي.. ضمير لا يبحث عن الفتاة في دنيا زائلة.. سهل أن
تحتوي الآخر بخدعة ولكن صعب أن تخبئ عن الآخر ما سوف يظهر ويفضح. إننا
نتعامل مع الآخر بحكم أننا سائرون في هذه الأرض نتنفس ونأكل ونشرب ونتوارث
وتمضي بنا الأيام بسرعة ولكننا لم نعمل حساب اللعنة في يوم الموت إذا علم
أحد بموتنا فقال والعياذ بالله (ألا لعنة الله عليه كان وكان وكان) الصدق
هو الشيء الوحيد الذي يبقى وأعرف أحدهم وهو فنان أو يدعي الفن، يتسلق وما
زال على ظهر الآخرين بحكم أنه من الذين يصدقونهم ولهم من الشيء ما يذكر في
الورق ولكن في الصدق والحب والفن فهو ليس له إلا نفسه فهو ليس من الذين
(يؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة) بل هو من الذين يؤثرون لأنفسهم على
كل شيء ويبحثون كل يوم على ما يرفعهم لأنهم بحثوا جاثمين ولم يصلوا لشيء
فيبحثون عن الفرصة حتى لو بلغوا من العمر عتيا وهذا ليس خطأ بل طموحا
جميلا ولكن عندما يكون بعيدا عن الصدق فهنا تكمن المشكلة؛ لأنه وكما أعيد
وأكرر بأن الصدق في منظومة الفن صورة فاضحة بمعنى الذي لا يصدق وهو يدعي
أنه فنان أو يقدم فنا فإنه ينفضح للعيان وبسرعة وتظل تلوكه الألسن حتى لو
ادعى النجاح الذي هو أصلا نجاح بمشاركة وعطاء الآخر حتى لو كان من
المعارضين له.. إن الفنان الذي يدعي التمثيل والمخرج الذي يساعده على هذا
الفعل هما ليسا إلا شخصين خدعا أنفسهما وأعتقدا أنهما يقدمان لنفسيهما
أمام مرآة في غرفة مقفلة.. أما الفنان الصادق فهو الذي يطلق العنان لفنه
أمام حشد كبير من المشاهدين لأنه يؤمن أن فنه لن يرقى إلا بمشاهدة الآخرين
وبالمطلق وبدون خوف ووجل بل يخاف على نفسه من شيء روحي في الفنان ألا وهو
الفشل.. كنت قد تطرقت كثيرا في كتاباتي عن الفنان المسؤول وأسهبت كثيرا في
أنه الفعل الفاعل والأكبر للرقي بالفن ولكني نسيت أن أنسب الصدق إليه في
مدحي وتمنياتي إلا أن اكتشفت أنه ليس كل مسؤول فنان هو الذي ينقذ سفينة
الحب في بحر متلاطم الأمواج وأن الفنان المسؤول غير الصادق والذي يخبئ عن
الآخر أسرارا تصدمهم فيما بعد إنما هو نفس الأناني الذي يصعد على أعناق
أصدقائه..
الحب والصدق يخلقان سرا جميلا واضحا للعيان ومن يتصيد الفرص بادعاءاته
الخاوية هو شخص مريض سيرى نفسه يوما ما وحيدا يصارع ظله ثم ينضوي تدوسه
الأقدام التي حملته أو حمل هو نفسه على عواتقها.. الفن عطاء لا يتأتى
للجميع والإبداع ليس ورقة كتب عليها (اجتاز المرحلة بامتياز) بل الإبداع
أن تجعل الجميع يحبونك وتكون حقيقيا معهم فلا الدنيا باقية ولا البحث عن
السراب مجد لأن الصدق هو النافذة التي تطل الشمس منها كل صباح صادقة مشمسة
بريئة من كل ما يدعون..
يقولون الغموض يشوب كتاباتك أقول لهم الحقيقة لا يحبها غير الصادقين أما
من يرى صورته في مرآة حروفي سيظل يبحث عن نفسه حتى تخور قواه وأنا جالس
هنا سوف أرد عليه فإن أحس أنه المعني ولكن للتوضيح لا يجب أن يرى أحدهم
نفسه في كتاباتي فقد أعني بما أورد نفسي لأني لست ملاكا فأنا كالذين
يكتبون عن المدينة الفاضلة وظلها الوارف وأنا نفسي لا أملك من ذلك شيئا
ولكن لا بأس أن يبحث أحدهم عن نفسه هنا ليتأكد من نفسه حتى لو سفه ما قلته
فتلك حالة صحية أبحث أنا عنها منذ زمن بعيد ليبقى الصدق أجمل ما في الوجود
في منظومة الفن لأن الفن صدق وما غير ذلك غير صحيح ولأبقى بعيدا في
تفكيرهم ليتخذوا ما يرونه فيَّ وليبعدوني عن أنفسهم وليحكموا علي بالنسيان
ولكني سأظل أقول لهم إن الصدق أساس الفن فاللوحة الصادقة هي التي تنطق
بالحب لتقول (أحبكم كحبي لنفسي وإن كرهتكم كرهت نفسي) ويبقى الصدق في
منظومة الفن شجرة وارفة تضلل كل المحبين لشيء اسمه الفن....... وألف مراحب.