بقلم - حمدي عيسى عبد الله
الحياة مشوار يبدأ بصرخة يطلقها الجنين لحظة خروجه من رحم أمه وتنتهي
أيضا بصرخة يطلقها المفجوعون لحظة طلوع الروح وتحول الجسد المفعم بالحيوية
إلى جثة هامدة وبين الصرختين يمتد بساط الحياة مليئا بالمتناقضات لحظات
للسعادة المطلقة والفرح الذي ينطق بكل اللغات وأوقات أخرى تمر عصيبة كئيبة
يغلفها الحزن والألم تحت وقع أحداث معينة أو مشاكل تكدر الصفو وإذا كان
البعض يغرقون في الدوامة وتلتهمهم دوامة الحياة فإن المنطق يحتم أن تكون
هناك مساحة لراحة النفس وهذه قصة تؤكد أن الوقت مهما كان مزحوما فإن به
نافدة للراحة والهدوء والخلو مع النفس والأهل.
وقف بروفيسور أمام تلاميذه.. ومعه بعض الوسائل التعليمية.. وعندما بدأ
الدرس ودون أن يتكلم.. أخرج عبوة زجاجية كبيرة فارغة.. وأخذ يملؤها (بكرات
الجولف) ثم سأل التلاميذ.. هل الزجاجة التي في يده مليئة أم فارغة؟!!
فاتفق التلاميذ على أنها مليئة.. فأخذ صندوقاً صغيرا من الحصى.. وسكبه
داخل الزجاجة.. ثم رجها بشده حتى تخلخل الحصى.. في المساحات الفارغة بين
كرات الجولف.. ثم سألهم..؟!! إن كانت الزجاجة مليئة؟ فاتفق التلاميذ
مجدداً على أنها كذلك.. فأخذ بعد ذلك صندوقاً.. صغيراً من الرمل.. وسكبه
فوق المحتويات في الزجاجة.. وبالطبع فقد ملأ الرمل باقي الفراغات فيها..
وسأل طلابه مره أخرى.. إن كانت الزجاجة مليئة ؟ فردوا بصوت واحد.. أنها
كذلك..
أخرج البروفيسور بعدها فنجاناً من القهوة.. وسكب كامل محتواه داخل
الزجاجة.. فضحك التلاميذ من فعلته.. وبعد أن هدأ الضحك.. شرع البروفيسور
في الحديث قائلاً: الآن أريدكم أن تعرفوا ما هي القصة.. إن هذه الزجاجة
تمثل حياة كل واحد منكم.. وكرات الجولف.. تمثل الأشياء الضرورية في حياتك:
دينك ، قيمك , أخلاقك ، عائلتك , أطفالك , صحتك , أصدقائك. بحيث لو أنك
فقدت ((كل شيء)) وبقيت هذه الأشياء فستبقى حياتك.. مليئة وثابتة.. أما
الحصى فيمثل الأشياء المهمة في حياتك: وظيفتك , بيتك , سيارتك.. أما الرمل
فيمثل بقية الأشياء.. أو لنقل: الأمور البسيطة والهامشية.. فلو كنت وضعت
الرمل في الزجاجة أولاً.. فلن يتبقى مكان للحصى أو لكرات الجولف.. وهذا
يسري على حياتك الواقعية كلها.. فلو صرفت كل وقتك وجهدك على توافه
الأمور.. فلن يتبقى مكان للأمور التي تهمك.. لذا فعليك أن تنتبه جيدا وقبل
كل شيء للأشياء الضرورية.. لحياتك واستقرارك واحرص على الانتباه لعلاقتك
بدينك.. وتمسكك بقيمك و مبادئك و أخلاقك.. امرح مع عائلتك ، ووالديك ،
وإخوتك ، وأطفالك.. قدم هدية لشريك حياتك وعبر له عن حبك.. وزر صديقك
دائماً واسأل عنه.. استقطع بعض الوقت لفحوصاتك الطبية الدورية.. وثق دائما
بأنه سيكون هناك وقت كاف للأشياء الأخرى..
ودائماً.. اهتم بكرات الجولف أولاً.. فهي الأشياء التي تستحق حقاً
الاهتمام.. حدد أولوياتك.. فالبقية مجرد رمل.. وحين انتهى البروفيسور من
حديثه.. رفع أحد التلاميذ يده قائلاً: إنك لم تبين لنا ما تمثله القهوة؟
فابتسم البروفيسور وقال: أنا سعيد لأنك سألت.. أضفت القهوة فقط لأوضح
لكم.. بأنه مهما كانت حياتك مليئة.. فسيبقى هناك دائماً مساحة.. للراحة
والجلسة الهادئة مع الأهل بحضور فنجان من القهوة!!