بقلم - مجدي الشاذلي
كلما تابعت حديثا تليفزيونيا للدكتور أحمد زويل أتعجب كيف نال هذا
الرجل جائزة نوبل في الكيمياء ثم يتحدث إلينا بهذا القدر من البساطة التي
تكاد تشعرك بأنه لم يفارق بلاده يوما واحدا.
ورغم انه اعترف من قبل انه يعيش كفلاح في أمريكا ، إلا أن الدكتور زويل
بدا في حديثه الأخير لقناة "دريم" الفضائية أكثر تواضعا من الفلاحين ،
وأكثر عشقا لوطنه ربما من ملايين يعيشون على ترابه وينعمون بثرواته
وخيراته ثم يسبونه صباحا ومساء.
ولا أدري لماذا ينتابني شعور كلما سمعت الدكتور زويل بأننا مازلنا لم نفهم
هذا الرجل ، بل ومازال يغمرنا شعور بالفخر لمجرد أنه مواطن مصري عربي حاز
على جائزة نوبل..
أما أن يسأل أحد : لماذا لم نستفد حتى اليوم من قدرات هذا الرجل وأفكاره
الخلاقة؟ فهذا مالم نفكر فيه مطلقا..ويبدو أن كثيرين في بلادنا لا يرغبون
في أن يحملوا أنفسهم عناء هذا السؤال، وكأنه سيفتح عليهم أبوابا لا يريدون
لها أن تنفتح أبدا. ومازالت أحاديث الدكتور زويل تصيبني بالكثير من الدهشة
، ربما لأنه يستطيع تشخيص أمراض ومشكلات الشخصية العربية بمهارة فائقة
تفوق مهارة الأطباء النفسانيين ، ويقدم لنا الحلول الناجعة لهذا المشكلات
على طبق من "بلاتين" ، ولكن من يسمع ومن يرى !
ولعل أكثر ما أعجبني في كلام هذا العالم الكبير حديثه عن هواة "تعقيد
الأمور" في بلادنا ، وضرب بهذا مثلا بالمذيعين والمذيعات الذين "يكلكعون"
كلامهم و"يقعرونه" من أجل الظهور بمظهر الفاهم الوحيد في الكون ، ومثل
هؤلاء يراهم زويل لا يفقهون ما يقولون ، وهو يبرر ذلك القول بأن الفاهم
والعالم كلما ازداد فهما وعلما كلما تواضع في حديثه وتبسط في كلامه ، وليس
العكس!
والتعقيد الذي تحدث عنه الدكتور زويل لا يقتصر على مذيعينا ومذيعاتنا
الذين ينفرون المشاهدين بجهلم في كل حين ، فالرجل أراد أن يضرب مثلا لا
يؤذيه لثقته في أن المذيعين لن يغضبوا عليه ، ولكن الخوف دائما من غضب
جهات أخرى ، أما هواة التعقيد فسوف تجدهم في كل وزارة وفي كل هيئة ومصلحة
، وهؤلاء ينتشرون مثل السرطان ، حتى انك لا تكاد تفلت من أحدهم حتى تفاجأ
بمن هو أكبر منه وأكثر تعقيدا..
وأذكر موقفا واحدا عاصرته عندما ذهب الدكتور أحمد زويل صاحب نوبل في
الكيمياء ، والذي تخطفته أكبر جامعات العالم ، فحاول أن يقدم شيئا مما
تعلمه لبلده ، فكانت النتيجة أن غلقت كل الأبواب في وجهه ، فهرب الرجل من
"العقد" و"المعقدين" وكان أن تلقفته الأيادي في قطر وفتحت له خزائن
البلاد..من أجل ماذا؟
من أجل العلم..ولا شيء غير العلم..
وهذا وحده يكفي!