سمير الجمل
خلق المكان قبل الإنسان .. ويجيء السلطان لكي يعمر المكان ويستثمر
طاقة الإنسان .. إنها ثلاثية أظن أن الرئيس الأمريكي " كارتر " الأسبق
وجدها أمامه واضحة عند زيارته .. الأخيرة لسلطنة عمان في نوفمبر الماضي ..
ومع ذلك تحدث كارتر للصحافة العالمية عن سيمفمونية التعايش والتوازن التي
تقدمها السلطنة بفضل سلطانها الحكيم نموذجا يحتذى وقال إن سيادتها
الخارجيه .. فيها التمسك بالمبادئ وفهم الذات .. وعدم الصدام فهي دوله
تتحرك بحرية واستقلال تام .. تحافظ على علاقاتها مع الجميع .. بدون أن
تفقد هويتها واتزانها ويكتب " كلاوس ديترفرانكيرجر " في صحيفة فرانكفورت
الألمانية بعنوان " التعايش السلمي .. سلطنه عمان نموذج يحتذى به " كتب
يقول مفسرا إعجاب كارتر وامتداحه نهج السلطنه ويضرب مثالا على ذلك
بعلاقاتها مع جارتها الشماليه ايران وفي نفس الوقت هي تمتلك علاقات وثيقة
واسترتيجية مع أمريكا .. لا ايران تخوفت ولا أمريكا تبرمت .. والقاعده
التي أرساها جلالة السلطان قابوس دون غيره من الزعماء العرب أن العلاقات
مع الكل سواء .. وهو الوحيد الذي احتفظ بكامل علاقته مع مصر وقت القطيعة
العربية بعد كامب ديفيد بما يدل على بعد نظرته ورؤيته بعيدة المدى .. لأن
العرب جميعا رجعوا بعد ذلك بينما ظل السلطان قابوس على حاله ..
ولا عجب ان تعلن السلطنة أن لها وجهة نظر خاصة بشأن ما يقال إنه التهديد
الإيراني النووي للمنطقة .. مسألة مبالغ فيها والإجراءات العدائية لطهران
لن تزيدها إلا إصرارا والمخاوف من السيطرة الإيرانية على الخليج العربي
لاتشغل بال أهل عمان .. لأن هدفهم " مضيق هرمز " وعندما تضع ايران يدها
عليه او تفكر فيه تغير الحال .. ومن هنا تحولت زيارة السلطان قابوس الى
ايران بعد الجو العاصف الذي أعقب الانتخابات كانت لها قراءات عديدة حاول
المراقبون الوقوف عليها .. وهناك من قال إنها زيارة الوفاق .. بين حكومه
نجحت ومعارضة تتربص وعمان دون غيرها لها مصداقية عند الجميع وقد لخص وزير
الإعلام العماني معالي حمد الراشدي في حديث له فلسفة العلاقة مع ايران
قائلا : لايوجد سبب او دافع يجعلنا ننظر لإيران كخصم يجب علينا مواجهته ..
وعندنا من الأسباب ما يجعلنا نتعاون ونتفاهم معها بكل الطرق الشرعيه
العقلاء وأولهم أهل السلطنه يعرفون أن ايران من حقها امتلاك الطاقة
النووية لأهدافها السلمية وهنا يحاول الكاتب الألماني " كلاوس " تفسير
الهدوء العماني بأنه الدور الخفي الذي تلعبه السلطنة في صمت بدليل زيارات
أخرى قام بها وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي رغم أنه نفى في نيويورك
أن تكون السلطنة قد لعبت دور الوسيط وهي لاتمانع في ذلك مع ايران لأن
قانونها الأبدي هو الحوار من أجل تعايش سلمي للجميع .. ويبدي كلاوس دهشته
وإعجابه بتصريح لجلالة السلطان قابوس أبدى فيه تفاؤله رغم كل ما يحدث في
العراق والحل بسيط ويقتضي المحافظه على وحدة البلاد ورفض الانقسام
والطائفية ومجلس التعاون الخليجي يبارك خطوات العراق نحو هذا الهدف .. لأن
استقراره يعني الاستقرار للمنطقة كلها ..
ويصف الكاتب الألماني سياسة السلطان قابوس بسياسة : الهدوء الأعظم " ..
تجاه القضايا الكبرى وأولها أزمه الشرق الأوسط .. والمنهج هو نفس المنهج
لأن كل القضايا قابلة للحل بالحوار والتفاوض وبالاحترام المتبادل بين
الأطراف المتنازعة ..
وعندما قرأت مقال كلاوس عدت بالذاكرة الى أيام العواصف والرياح التي ضربت
شواطئ السلطنة وقد ذهبت بعدها الى هناك بأسابيع قليلة .. وأدهشني كيف تحول
" الهدوء الأعظم " الى قوة داخلية هائلة قاومت أثر الطبيعة بأسرع ما يمكن
وبشكل ذاتي يثير الدهشة والإعجاب وهو نفسه الهدوء الفعال الذي يجعلك في كل
زيارة للسلطنة ترى جديدا في كافة الميادين والأنشطة .. وستجد السياسة
الناعمة العاقلة .. تنعكس بهدوء على حياة اقتصادية فيها الكثير من التفاعل
مع العالم كله .. وتبدو أصوات السياسة العمانية الخارجية أقرب الى الهمس
في أغلب الأحيان .. لكنها على الأرجح تبدو أكثر فاعلية لأنها عقلانية
ومحسوبة الخطى ..
أساطيل عمان التي سافرت الى أرجاء الدنيا شرقا وغربا .. يبدو أنها مع
التجارة حملت الكثير من المزايا هنا وهناك وأضافتها الى العربية الأصيلة
.. فإذا بها تنتج في نهاية نكهتها المطاف تركيبة خاصة لا تتجافى فيها
الرزانة مع القوة ..ولا المصلحة مع الحسابات .. ولا الأصيل مع المعاصر ..
وكيف لا وهي البلاد التي تنام كل مسار على إيقاع أعظم السيموفونيات
الموسيقية ومن هنا ينسجم المكان مع عدالة السلطان ويسعد الإنسان.