كتب - عبدالرزاق الربيعي
لا يمكن الحديث عن سينما خليجية دون أن يأتي ذكر المخرج الكويتي خالد
الصديق فهو أول من لفت الأنظار إلى هذه السينما عندما قدم فيلمه "بس
يابحر" عام 1969 م وكانت السينما العربية في قمة عطائها وألقها تعيش عصر
العمالقة فجاء خالد الصديق بفيلم يخلو من النجوم, كان بطله محمد المنصور
في مقتبل حياته الفنية, أغلب مشاهده صورت في بيئة بحرية لكنه بكل هذه
التفاصيل استطاع أن يقدم فيلما أصبح من كلاسيكيات السينما الخليجية حتى
إنه حصد تسع جوائز عالمية.
والفيلم جرى تصويره بالأبيض والأسود رغم أن الصديق كان يستطيع تصويره
بالألوان لكنه أصر على ذلك فله وجهة نظر فالألوان حسب رأيه تضر بالرؤية
الإخراجية وحول هذا يقول الصديق "إن الفيلم موضوعه ميلودرامي وتراجيديا
عنيفة وأحداثه تدور في مرحلة قبل النفط، آنذاك كان المجتمع في الخليج يعيش
حالة من الفقر، كذلك فإن الألوان الزاهية هي للأفراح والمناسبات السعيدة،
ومن هذا المنطلق لم أصوّره بالألوان وهذا ما ساعد على إنجاح الفيلم".
ترصد أحداث الفيلم الذي أعد عن قصة عبدالرحمن الصالح اسمها {اللؤلؤة} وكتب
السيناريو فريق مكون من المخرج وعبدالرحمن الصالح والفنان سعد الفرج وولاء
صلاح الدين، أحداث المنطقة قبل النفط حيث يعود بنا الى زمن الغوص والبحث
عن اللؤلؤ وما يواجهه البحارة من مصاعب وهجمات أسماك القرش التي تجعل أحد
البحارة معاقا لكن ولده يصر على ركوب البحر لجلب اللؤلؤ والحصول على مهر
حبيبته لكنه يفقد حياته ويلقى في البحر ليكون طعاما للأسماك بعد أن حصل
على اللؤلؤة وحين يعود البحارة من دونه تكون التراجيديا قد اكتملت فما كان
من أمه إلا إلقاء اللؤلؤة في البحر صارخة به "بس يابحر" في مشهد يظل راسخا
في الذاكرة.
وليست القصة والإخراج والأداء فقط من مميزاته فضلا عن كونه أول فيلم روائي
كويتي طويل, فهناك أمور فنية أخرى عديدة في "بس يا بحر" هو أول فيلم عربي
وآسيوي يصوَّر تحت الماء يقول الصديق "وهذه كانت مجازفة كبيرة وجنوناً،
لعدم توافر عوامل الخبرة والدراية والإمكانات الكافية لنصوِّر هذه
المشاهد" لكن خالد الصديق تحدى كل الصعوبات وصور تحت الماء يقول عن تلك
التجربة: "في البداية صوّرت كل المشاهد العادية، ثم فكرت بكيفية تنفيذ
المشاهد الباقية تحت الماء والاتصال مع الخارج والإمكانات المتوافرة من
معدات، فوصلت إلى نتيجة وهي استئجار غلاف الكاميرا الخاصة بالتصوير تحت
الماء من إنجلترا لمدة أسبوعين، والتي صنعت عام 1945، وصورنا في أعماق
مختلفة في مناطق عدة على عمق 3 و5 و7 أمتار، ونفذنا بعض الخدع في حمام
السباحة لأنه يصعب تنفيذ بعض اللقطات في البحر لأسباب عدة منها: حالة
الطقس وحركة الممثلين والإضاءة"
ولم يكن "بس يا بحر" بيضة الديك بالنسبة لخالد الصديق فقد قدم قبله عددا
من الافلام التسجيلية والقصيرة ومن ثم قدم فيلمه الروائي الثاني «عرس
الزين» عن رواية الطيب صالح الشهيرة حيث لعب السوداني علي مهدي بطلولة
الفيلم وفيلمه الروائي الثالث «شاهين» وهو من بطولة إبراهيم الحربي وظل
"الصديق" يحلم ويواصل مشاركاته السينمائية وكان من بينها مشاركته في
المهرجان حيث حضر أكثر من دورة من دورات المهرجان وكان سعيدا لأن النبتة
التي زرعها مع الرعيل الأول من السينمائيين المتحمسين لتأسيس سينما خليجية
قد أثمرت وكان مهرجان مسقط السينمائي ثمرة ناضجة من بين هذه الثمار.
