سمير الجمل
انعقدت القمة العربية وانفضت كما انعقدت القمم من قبل.. ويبدو أن الشارع
العربي كان يدرك مسبقاً أن اختلاف مكان الانعقاد وجدول الأعمال لا يعني
تغييراً تترقبه الملايين.. وقبل قمة سرت بأيام أجرى موقع "العربية نت"
الإلكتروني استطلاعاً للرأي بمشاركة 10 آلاف شخص وقد توقع 60% منهم غياب
أغلب القادة وهو ما حدث بالفعل لأسباب عديدة.. والمسألة ليست قاصرة على
الغياب فقط.. لكن تظل الخلافات العربية وما أكثرها وما أعقدها هي رأس
الأمر كله.. بل أن قضية فلسطين عامة والقدس بصفة خاصة وقد كانت العنوان
الأبرز في جدول الأعمال تحولت الى نكتة سوداء بفعل الانقسام الفلسطيني
الحاد بين فتح وحماس.. ورجل الشارع العربي يضع في اعتباره دائماً وأبداً
أن تكون القمة على مستوى انفعالاته وينافس في ذلك كبار كتاب السيناريو
ويرسم في خياله صورة لقمة أخرى يراها مكتملة العدد بالقادة.. وقد طرحوا
خلافاتهم وراء ظهورهم.. ووضعوا مصلحة الأمة قبل مصالح كل دولة أو في
إطارها.. بحيث لا تفصل ما يخص هذا الشعب عن سائر الشعوب العربية الأخرى..
رجل الشارع كان ينتظر أن تسحب القمة العربية مبادرة السلام الذي هو خيارها
الاستراتيجي.. بينما الأمر مختلف عند اسرائيل وهي الطرف الآخر في عملية
السلام والدليل ما تفعله في القدس من تهويد ومحاولات هدم الأقصى..
والاستمرار في بناء المستوطنات رغم.. تلك التمثيلية الهابطة التي جرت
مؤخراً بين واشنطن وتل أبيب حول خلافات حادة بينهما بشأن سياسة المستوطنات
ومن رأينا السيدة كلينتون وهي تصرخ بأعلى صوتها في إجتماع اللوبي الصهيوني
الأمريكي "ايباك" وتؤكد على أن أمن أمريكا هو أمن إسرائيل وأدركنا مدى
سخافة تضخيم هذه الخلافات أو الأزمة.. والعقلاء يعرفون أن الرئيس الأمريكي
مهما كان اسمه وشخصه ومنهجه قد يطير في لحظة إذا ما تجاوز حدوده مع
إسرائيل وحاول أن يعاملها كما يعامل سائر الدول الصديقة أو الحليفة..
رجل الشارع في السيناريوهات التي رسمها بخياله العاطفي الملتهب.. كان
يتصور أن تشعر القمة بأنها كتلة واحدة لا يستهان بها دولياً.. هي في الأمم
المتحدة تشكل ربع عدد الأعضاء تقريباً.. وهي على الساحة الدولية تمتلك
اقتصادياً الكثير من مفاتيح القوة والضغط.. بشرط أن تتحرك على أنها كتلة
واحدة وبصوت واحد ورؤية واحدة.. ومصلحة واحدة.. فهي دائرة مكتملة تستطيع
الاعتماد على نفسها وهي تفيد الغرب أكثر مما تستفيد منه.. ويوم أن يكون
للاقتصاد العربي كلمته الواحدة سوف تهتز أركان النظام العالمي كله.. ولنا
في تداعيات أزمة دبي وما جرى بشأنها خير مثال وقد انتفضت الأسواق الدولية
وترنحت تأثراً بها..
رجل الشارع كان يتصور في سيناريو القمة أن تكون المقاومة المشروعة خياراً
لا بديل عنه.. وهو ينظر الى تجربة إيران بعين الاعتبار كيف أنها وهي
الدولة الوحيدة استطاعت أن تقول كلمتها أمام العالم كله رغم قرارات الحصار
والتجميد والإبعاد.. لكن اعتمادها على قدراتها.. حولها من دولة معزولة..
الى صوت مسموع.. تلعب بورقة القوة باقتدار مثلما تلعب أيضاً بورقة
الدبلوماسية..
رجل الشارع الآن.. أكثر وعياً وإدراكاً أن الحرب بقدر ما تحل مشكلة استعصت
على الحل.. لكنها تخلف وراءها عشرات المشاكل والتداعيات والآثار والنتائج
لكن المشهد الرئيسي في سيناريو رجل الشارع هو أكثر عقلانية وواقعية وهو
الذي يصور قوة العرب البترولية والطبيعية والبشرية ويضعها في مكانتها
السليمة.. بما يفرض على العالم من حولهم احترام كلمتهم والاستماع إليها
بإنصات واهتمام وبما يليق بهذه الأمة التي هانت عليها نفسها فهانت على
غيرها.
رجل الشارع.. ينظر حتماً الى هذه العربدة الإسرائيلية التي لا تتوقف عن
الهجوم والاغتيال واغتصاب الأرض ومع ذلك.. يجد على الجانب العربي "مكلمة"
كبيرة تبدأ من تصريحات عنترية تنطلق من هنا وهناك ثم تكتمل منظمومة الكلام
هذه.. بالحدث الكلامي الأكبر وهو القمة..
وكان الدكتور احمد جويلي رئيس مجلس الاقتصاد العربي السابق يؤكد
مراراً وتكراراً.. أن الاقتصاد العربي الواحد الذي يضع مصالح العرب مع
العرب على رأس الأولويات هو الخيار الأول نحو كلمة سياسية واحدة وفاعلة
ورجل الشارع الآن يعرف أيضاً أكثر من أي وقت مضى.. أن المواقف المتهورة
ليست من السياسة في شيء.. وقد دفعنا سابقاً ثمن التهور والحماقة
والاندفاع.. ولهذا يرى أن أوراق الضغط العربية عديدة.. ولكنها غير فاعلة
أو نشطة.. وتلك هي المعضلة الكبرى.
والخطوة الأولى التي يراها رجل الشارع هي وضع المصالح العربية كلها في سلة
واحدة.. على غرار الكيانات الكبرى الموجودة في العالم وأهمها الاتحاد
الأوروبي.. وهنا يتجدد الكلام حول دعوة اليمن أو التزامها بتحويل الجامعة
العربية الى اتحاد على غرار الأوروبي والأفريقي.. ولابأس من ذلك لكن المهم
هل يتغير المنهج العربي بالاتحاد أم يتغير المسمى ويظل الحال العربي كما
هو عليه.. بالاتحاد أو بالجامعة وكلها مسميات توحي بالتكاتف.. لكنها على
أرض الواقع تبدو بعيدة تماماً عن ذلك.. وهذا هو رأي الشارع.. وأيضاً رأي
كافة العقلاء العرب.
