فريدا جيتيس
صدمتني صديقة لي لا تتابع أخبار الشرق الأوسط بالكثافة التي يتابعها بعضنا بطلب شاق: "في يوم من هذه الأيام، لابد أن توضحي لي موضوع القدس بالكامل." تنهدت.
من أين تبدأ في توضيح نزاع على مدينة يزيد عمرها عن خمسة آلاف عام؟ هل تبدأ بالنبي إبراهيم، أم بالملك داوود والملك سليمان؟ أم هل تقفز إلى الحملات الصليبية، إلى صلاح الدين؟ هل أتحدث عن المسيح؟ عن المعتقدات الإسلامية؟ وأي الإمبراطوريات يجب أن أذكر: الفارسية أم الرومانية أم العثمانية أم البريطانية؟ هل أبدا بتوضيح أنه في حرب عام 1948 قام الأردن بغزو النصف الشرقي من القدس وفي عام 1967 طردت إسرائيل الأردنيين وأعادت توحيد المدينة؟
أم هل أحكي أنه بعد آلاف السنين أنهى الشعب اليهودي، المشرد حول العالم، وجبة عيد الفصح بصيحة "العام القادم في القدس!"؟ ربما يجب أن أبدأ بتوضيح أن الفلسطينيين يطالبون بالجانب الشرقي ذي الأغلبية من السكان المسلمين كعاصمة دولتهم المستقبلية، ولكن معظم الإسرائيليين يعتبرون القدس "غير المقسمة" كعاصمة دولتهم الأبدية.
في القدس، كما في كثير من أنحاء هذه المنطقة الغارقة في التاريخ، ليس هناك شيء أكثر حقيقة ولا وضوحا ولا قوة من الماضي. ربما يكون أفضل مكان نبدأ به إذن هو المستقبل. فبدلا من الجدل حول أي جزء من الماضي هو الذي يهمنا أكثر، يجب أن نركز على المستقبل الذي يقول معظم الناس إنهم يريدونه. تقول الأغلبية من الإسرائيليين والفلسطينيين إنهم يريدون أن يروا السلام، في ظل دولتين تعيشان جنبا إلى جنب. هذه النقطة، في أكثر أجزاء العالم إثارة للجدل، هي نقطة حساسة من الاتفاق يجب رعايتها بكل حرص، وخاصة لأنها تظل مسألة خلاف عاطفي بالنسبة للأقليات في كلا الجانبين.
ونظرا لأن القدس هي القضية الأكثر إثارة للعاطفة من بين كل القضايا التي تقسم الإسرائيليين والفلسطينيين، يجد المرء نفسه في حيرة لماذا يقوم الرئيس أوباما – للمرة الثانية منذ بدء إدارته – بتعقيد إمكانية التوصل إلى سلام في القضية الأصعب من بين كل القضايا.
لقد بدأت الأزمة الراهنة عندما وافق مسؤولو الإسكان الإسرائيليون على واحدة من خطوات أخرى كثيرة في خطة بناء كان قد تم الإعلان عنها مسبقا في القدس الشرقية وذلك أثناء زيارة نائب الرئيس جو بايدن. كان هذا، كما كتبت وقتها، خطأ فادحا. وقد قدم المسؤولون الإسرائيليون وفير الاعتذار. ولكن واشنطن تبدو مترددة في أن تترك الأمر يمر، رافعة مرة أخرى سقف طلباتها من إسرائيل إلى مستوى لم يحدث أبدا حتى من قبل الفلسطينيين.
إنني مقتنعة تماما بأن الإسرائيليين سيتفاوضون على مصير القدس على طاولة المفاوضات. ولكن مطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بمنع اليهود من البناء في جزء من القدس كشرط للمحادثات هو ببساطة يخلق المزيد من المشكلات.
إن واشنطن تقرر ما هي الموضوعات التي تركز عليها. وبينما هي تشكو من تجاوزات إسرائيل، تتجاهل في الأغلب الإساءات اليومية ضد السلام التي يقترفها الفلسطينيون. فلم نسمع إلا القليل بعد أن قام مسؤولون بتكريم إرهابي قتل 38 إسرائيليا منهم 13 طفلا. وكثيرا ما يقوم الفلسطينيون، بما فيهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بالثناء على قتلة المدنيين الإسرائيليين، حتى وإن كان هذا يخرق الاتفاقيات التي تم إبرامها مع الولايات المتحدة وإسرائيل. إن واشنطن تمتلك الفرصة السانحة لإدانة الأفعال الفلسطينية والإسرائيلية في آن واحد، ولكنها قررت أن تصب جام غضبها على إسرائيل فقط. وهذا القرار قد حول الانتباه بشكل غير مفيد وفي غير أوانه وبصوت مرتفع أكثر مما ينبغي على القضية الأكثر تعقيدا: القدس. ستصبح القدس وباقي الضفة الغربية قضايا مثيرة للنزاع عندما يأتي وقت اتخاذ القرارات. والوقت مبكر جدا الآن لتحويلهما إلى عقبات.
لقد فعل الرئيس أوباما ذلك بالفعل من قبل. وكانت النتيجة أن الإسرائيليين والفلسطينيين لم يتحاوروا لأكثر من عام. وفي العام الماضي، طلب أوباما من إسرائيل أن توقف كل البناء الاستيطاني في الضفة الغربية. ولكن الفلسطينيين، الذين كانوا قد تفاوضوا من قبل، رفضوا فجأة اللقاء مع الإسرائيليين إلا إذا نفذوا هذا الطلب. ولم يكن الفلسطينيون أبدا قد اشترطوا هذا الشرط المسبق للمفاوضات. قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لصحيفة دير شبيجل الألمانية: "في خطابه إلى العالم الإسلامي في القاهرة، دعا أوباما إلى تجميد كامل للمستوطنات. وعندما يفعل الرئيس الأميركي ذلك، لا أستطيع أنا أن أقبل أي شيء أقل منه."
إن الدبلوماسية في الشرق الأوسط تتطلب حساسية كبيرة. والقدس هي خط الصدع في خمسة آلاف سنة من تاريخ محمل بالعواطف والانفعالات. وهذا يعني أن مكبر الصوت ينبغي استخدامه باعتدال، والضغط يجب الاحتفاظ به لأوقات يخدم فيها هدفا مفيدا.
لقد نجح أوباما في إلقاء كل اللوم بسبب المأزق الراهن على إسرائيل، التي بلا شك قد اقترفت حكومتها أخطاء كبيرة. ولكن الحقيقة هي أنه للمرة الثانية في رئاسته، نجح أوباما في إعاقة آفاق نجاح السلام في الشرق الأوسط.