روجر كوهين
في العام 1976 قامت كتيبة إعدام تشيلية باغتيال وزير الخارجية
(التشيلي) السابق أورلاندو ليتيلير وزميل أمريكي له في واشنطن. وكان
أورلاندو من المعارضين البارزين لدكتاتورية الجنرال أوجوستو بينوشيت. اما
المعادل الصعب لذلك الحدث اليوم (في حال وقوعه) لكان تخطيط الصين لاغتيال
خصم لدود لها من إيغور (الصينيون المسلمون في أقصى الشمال) على الاراضي
الأمريكية، أو اغتيال الروس لزعيم شيشاني كبير في أحد شوارع مدينة جورج
تاون.
ولاحاجة لأن نقول، أن امريكا حينها كانت ستشيط غضبا من هذه المحاكمات
المتطرفة وأوامر الاعدام التي تنفذ على أرضها. فنحن لا نرغب في أن نعيش في
عالم تتخلص فيه الأمم من أعدائها على أرض دول أخرى ليست تلك الأمم في حالة
حرب معها. لكن لا يمكننا بالطبع أن نفعل ما هو اقل من الممكن لنا لنتحاشى
11 سبتمبر آخر، وذلك حيث تعتم الامور وتقتم. لذا، دعونا نوضح بعض الأمور
القليلة. فمنذ 11 سبتمبر، و بتكثيف أكبر في عهد إدارة أوباما، رفعت أمريكا
بلامعنى الحظر الذي كان نافذ المفعول منذ أيام ادارة الرئيس فورد على
عمليات القتل محددة الهدف على يد ضباط الاستخبارات. ومثل هذه العمليات تقع
اليوم بشلل يومي في الغالب ضمن برنامج سري بتوجيه من الاستخبارات
الامريكية. فالطائرات بلا طيار وجحيم نيرانها الذي تطلقه تخلصت من العديد
من قادة القاعدة.
وهجمات الطائرات بلا طيار تركزت في باكستان، والتي أمريكا ليست في
حرب معها. أما ادارة أوباما فقد رفضت أن تقول اي شيء عن عمليات التخلص من
أهداف بشرية بعينها. وليس واضحا حتى الان كيف يتم اعداد قائمة المطلوب
التخلص منهم، ولا من يصدر الأمر، ولا هل القرار مبنيا على التصرفات
السابقة (لنقل مثلا الانتقام لمقتل عملاء الاستخبارات المركزية فى خوست فى
أفغانستان) أم مبنيا فقط على تجميع لمعلومات استخباراتيه تبين أن الهدف
يخطط لهجوم إرهابي، ولا ما هي حدود ميدان المعركة – هذا إن كان هناك حدود،
ولا ما هي القواعد في القانون- إن كان هناك ثمة قواعد.
إن أقرب شيء لسجل رسمي لبرنامج هجمات الطائرات بلا طيار أمكنني
العثور عليه كان ما قاله السيناتور جون كاري في أكتوبر الماضي، حيث قال
متحدثا عن تلك الهجمات:" أنا واثق من أنها مقيدة بشدة الآن، ويتم التحكم
فيها بحرص شديد من داخل سلم صناعة القرار، ومحدودة بشكل كبير في الأضرار
الجانبية لها، وناجحة كثرا في تضييق الخناق على القاعدة. وهذا هو السبب
وراء أنه يمكننا الآن أن نقول أنه من المحتمل أن نكون قضينا على 14 من
القادة العشرين الكبار فى القاعدة." وهذا النجاح مهم جدا، حتى ولو كان على
المدى مغالى فيه. لكن "الأضرار الجانبية" هى أيضا "صفة جوهرية"، وسيكون
لها أثر يتمثل في تجنيد القاعدة لعناصر جديدة بشكل منتظم. والرئيس اوباما
والذي خاض حملته متخذا لنفسه موقفا ضد "الجانب المظلم" من الحرب على
الارهاب وأصر على أن تقود أمريكا (العالم) بكونها نموذجا لأمة القانون،
يدين للأمريكيين بكشف حساب لعمليات استهداف أشخاص بعينهم.
فالقتل لأجل الانتقام أنا غير مقتنع به. فهو غير مقبول تحت القانون
الدولى. وأنا أريد أن يصل الى علمي أن هدفا معينا تم اغتياله بسبب توفر
معلومات موثوقة تقول بأنه بالفعل يخطط لهجوم ارهابي على امريكا أو
حلفائها؛ وبأن الخطر داهم؛ وبانه ما من رغبة لتعريض المدنيين للخطر. وأنا
أعرف أن الارهابيين لا قواعد عمل لديهم ولا قوانين. والحرب العالمية على
الإرهاب هى حرب قذرة. ومايزال فراغ المساءلة الراهنة المتعلق بعمليات
القتل المستهدفة التي تقوم بها امريكا هو أمر غير مقبول.
وامريكا بهذا تسير في طريق مألوف. فاسرائيل دولة رائدة في الهجمات
بالطائرات التي بلا طيار لقتل منفذي العمليات في حماس. ولقد كتب جيرالد
شتينبيرغ مؤخرا في صحيفة وول ستريت أن " القوات الامريكية تقلد تقليدا
أعمى تقنيات اسرائيل التي تستخدمها في عمليات قتل الخصوم بالطائرات بلا
طيار." لكن أمريكا، بالطبع، ليست اسرائيل. أمريكا ليست دولة صغيرة، محاطة
بالكثير من الخصوم، في حالة حرب منذ قيامها. وامريكا لا يسيطر عليها هاجس
الفناء. وقد قال فيكي ديفول، محام سابق في الاستخبارات الامريكية، لصحيفة
لوس أنجلوس تايمز، قال:" ذات يوم من الأيام لم تكن أمريكا تقوم بعمليات
القتل في الظلام- حتى صار الامريكيون يخافون على أرواحهم كما يخاف
الاسرائيليون على أرواحهم منذ عقود." وهذا صحيح- وغير مقبول أيضا. فالخوف
لا يمكن له أن يكون رخصة عالمية لأمريكا لتقتل بمقتضاها.
ومستوى الشك فى أن الاستخبارات الاسرائيلية، المعروفة بالموساد، كانت
وراء اغتيال محمود المبحوح، المسؤول رفيع المستوى في حماس، وهو في دبي،
يقارب مستوى شك رئيس شرطة دبي الذي قال إنه" بنسبة 99 بالمائة، إن لم يكن
بنسبة 100 بالمائة" متأكد أن اسرائيل هي المسؤولة عن جريمة الاغتيال. لكن
ياله من تشوش: أشرطة فيديو، وجوازات سفر اوروبية تخص اسرائيليين حياتهم في
مهب الريح الآن، و تداعيات دبلوماسية. يتساءل جيرالد شتينبيرغ، والذي يدرس
العلوم السياسية في جامعة بارإيلان (في اسرائيل):" ما الذي كان يفعله
المبحوح؟ هو " في الأغلب" كان يرتب للجولة القادمة من الهجمات." ولاحظوا
عبارة "فى الأغلب". هل هي كافية لتنفيذ حكم اعدام بلا حكم محكمة؟