كوفي عنان
لن تأتي العولمة بالسلام أو الرخاء ما لم نتقاسم جميعا فوائدها بشكل
عادل. ولكي يسترد الاقتصاد العالمي عافيته يجب أن يوجهه إطار عمل أخلاقي
يعالج التفاوتات الفادحة القائمة في عالمنا، ويلبي الحاجات والطموحات
الأساسية للناس في كل مكان.
ولا تستطيع مؤسساتنا العالمية أن تلعب دورها الحيوي في بناء الإجماع
وجسر الانقسامات بين الشعوب ما لم يتم إصلاحها لتعكس الحقائق الواقعة
اليوم، وليس الحقائق منذ ستين عاما مضت. إننا نشهد قوى جديدة تبرز تواقة
للمشاركة في المسؤولية العالمية. واحترام التنوع على الساحة العالمية يعني
إعطاءها الفرصة لتلعب دورها.
ولكن بدلا من الانزعاج، يجب علينا أن نرحب بهذه العودة للتعددية.
إنها ستتطلب التوفيق بين سلسلة أكثر تنوعا من المصالح والقيم، ولكنها في
ذات الوقت واعدة بأساس أقوى كثيرا للتعامل مع التهديدات والتحديات
المشتركة. كل هذه خطوات مهمة ستساعد على تحسين العلاقات بين الدول. ولكن
تأثيرها سيكون محدودا إذا ما استمر المناخ الراهن من الخوف والريبة، تعيد
تغذيته الأحداث السياسية، وخاصة تلك الأحداث التي نرى فيها المسلمين – من
العراقيين والأفغان، وقبل الجميع الفلسطينيين – ضحايا للعمليات العسكرية
التي تقوم بها قوى غير إسلامية.
ربما نميل إلى أن نفكر في الصراع العربي الإسرائيلي باعتباره مجرد
صراع إقليمي ضمن العديد من الصراعات الأخرى القائمة؛ ولكنه ليس كذلك. فكما
أعلم من خلال منصبي السابق في الأمم المتحدة، ليس هناك أي صراع آخر يحمل
مثل هذا الشحن الرمزي والعاطفي القوي بين أناس تم نقلهم بعيدا جدا عن
ميدان المعركة. فطالما ظل الفلسطينيون يعيشون تحت الاحتلال، ويتعرضون
للإحباط والاستياء والإذلال بصفة يومية، ستظل المشاعر في كل مكان ملتهبة.
قد يبدو من غير العدل أن التقدم في تحسين العلاقات بين المواطنين يجب
أن يكون رهينة لحل واحدة من أكثر المشكلات السياسية التي تواجهها
الإنسانية صعوبة واستعصاءً. وبكل تأكيد فإن حقيقة عدم وجود مثل هذا الحل
يجب ألا يتم استخدامها كمبرر لتجاهل قضايا أخرى. ولكن في النهاية لا يمكن
إزالة الارتباط بين هذه القضية وغيرها من القضايا بمجرد التمني.
إننا بحاجة ماسة وعاجلة إلى العمل على كلا الجبهتين معا في آن واحد –
ساعين إلى تحسين التفاهم الاجتماعي والثقافي بين الشعوب، وفي ذات الوقت،
إلى حل الصراعات السياسية، في الشرق الأوسط وأماكن أخرى.