ليونارد روبينستين وستيفن زيناكيس
بعد خمس سنوات من التحقيقات، نشرت وزارة العدل نتائجها المتعلقة بمحاميي الحكومة الذين خولوا إجراء تقنيات الإيهام بالغرق والأشكال الأخرى من وسائل التعذيب أثناء التحقيقات مع الإرهابيين المشتبه بهم في معتقل جوانتانامو وأماكن أخرى. ونتيجة التقرير، بأن المحامين مارسوا حكما سيئا ولكنهم لم يواجهوا الاتهام بالإساءة المهنية، هي محل شك في أحسن الأحوال. ولكن المراجعة تعكس التزاما ما بتحقيق يتسم بالشفافية في السلوك المهني.
ولكن على النقيض من هؤلاء المحامين، نجا الأطباء والأخصائيون النفسيون التابعون للحكومة، الذين شاركوا في تخويل تعذيب المحتجزين، من العقاب أو المساءلة أو حتى التحقيق الداخلي.
لقد جاءت الأخبار بأن أفراد الطاقم الطبي في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والبنتاجون قد لعبوا دورا حساسا في تطوير وتنفيذ إجراءات التعذيب. فقد كان النفسيون ومعهم طبيب واحد على الأقل يصممون أو يوصون بطرق الاستجواب تحت الإكراه والتي تشمل الحرمان من النوم والوضع في أوضاع مجهدة والعزلة والإيهام بالغرق. وقد قامت فرق استشارات العلوم السلوكية بالجيش بتقييم المحتجزين والرجوع إلى سجلاتهم الطبية للتأكد من نقاط الضعف ومن ثم قاموا بنصح المحققين حول متى يمكن لهم الضغط بشدة للحصول على معلومات استخباراتية.
قام الأخصائيون النفسيون بتصميم برنامج للقادمين الجدد إلى جوانتانامو يبقي عليهم في عزلة من أجل "تعزيز واستغلال"ارتباكهم واختلال توازنهم". وكان المسؤولون الطبيون يراقبون التحقيقات ويصدرون الأوامر بالتدخلات الطبية حتى يتسنى للمحققين الاستمرار حتى عندما يكون المحتجز في حالة ألم واضح. وفي إحدى الحالات، يظهر أحد سجلات التحقيقات الذي حصلت عليه مجلة "التايم" أحد أفراد الطاقم الطبي يأمر بحقن المحتجز الذي واضح عليه الجفاف بمحاليل وريدية وذلك في وجود موسيقى صاخبة لحرمانه من النوم.
وعندما عارض المفتش العام لوكالة الاستخبارات المركزية هذه الطرق في الاستجواب، تم استدعاء مكتب الخدمات الطبية بالوكالة، وبالتشاور مع وزارة العدل، لتقرير ما إذا كانت هذه التقنيات تحدث ألما أو معاناة ذهنية حادة، وهو التعريف القانوني للتعذيب. ومرة أخرى، لعب الأطباء دورا مهما، مقدمين الآراء المهنية القائلة بأنه ليس هناك أي آلام أو معاناة حادة جراء استخدام هذه الأساليب.
وحسب مذكرات وزارة العدل التي تم نشرها العام الماضي، أكدت الخدمات الطبية أن الحرمان من النوم لمدة تصل إلى 180 ساعة لا يمكن أن ترقى لدرجة التعذيب. كما قررت أن الاحتجاز في مكان ضيق مظلم لمدة 18 ساعة في اليوم هو أمر مقبول. كما قالت إن المحتجزين يمكن أن يتم تعريضهم للهواء البارد أو إطلاق خراطيم المياه الباردة عليهم لمدة تصل إلى ثلثي الوقت الذي يستغرقه حدوث انخفاض درجة حرارة الجسم. ونصح مكتب الخدمات الطبية كذلك بأن وضع المحتجز في قيود تتصل بسلسلة مثبتة في السقف، ثم إجباره على الوقوف ورجليه مقيدتان إلى مزلاج مثبت في الأرض، "لا ينتج عنه أي ألم ذي أهمية لهذا المحتجز."
وقد أقرت الخدمات الطبية بأن الإيهام بالغرق يمكن أن يكون خطرا، وأن الشعور بعدم القدرة على التنفس هو أمر مرعب للغاية، ولكنها أشارت إلى أن السي آي إيه قد حدّت من استخدامها لهذه الوسائل لتصل فقط إلى 12 تطبيقا على مدى جلستين في غضون 24 ساعة، وإلى خمسة أيام في أية مدة متصلة قدرها 30 يوما. ونتيجة لذلك، أشار المحامون إلى حكم المكتب الطبي المهني بأن استخدام الإيهام بالغرق على شخص صحيح شريطة التقيد بهذه الحدود من شأنه أن يكون "مقبولا من الناحية الطبية."
لم يكن هناك أي أساس طبي لهذه الآراء. ولم يستشهد مكتب الخدمات الطبية بأي دراسات لأفراد خضعوا لهذه التقنيات. ولكن مصادره كانت فقط الدليل الطبي لطب المناطق المقفرة والموقع الإلكتروني للمعهد القومي للصحة العقلية وبعض الخطوط الإرشادية من منظمة الصحة العالمية. والمصدر الطبي الوحيد الذي استشهد به هذا المكتب هو كتاب لمؤلفه د. جيمس هورن، الخبير في النوم بجامعة لوبورو في بريطانيا؛ وعندما علم د. هورن أن كتابه قد استخدم كمرجع، قال إن السي آي إيه قد شوهت النتائج التي توصل إليها وأساءت عرض بحثه، وأن ما خلصت إليه فيما يتعلق بالحرمان من النوم كان مجرد هراء. لقد استخدم د. هورن متطوعين كان لا يتم تعريضهم لأي ضغوطات أخرى وكان باستطاعتهم الانسحاب في أي وقت، بينما استخدمت السي آي إيه ومحققو البنتاجون مجموعة كبيرة من الضغوطات مجتمعة مع بعضها على المحتجزين. قال د. هورن إن الحرمان من النوم ومزجه مع الوضع في وضع مؤلم والتخويف ومجموعة من الضغوطات الأخرى، هذا من شأنه أن يرهق آليات الدفاع بالجسم، ويسبب انهيارا بدنيا ويزيد من سوء الأمراض الموجودة أصلا. هذا ناهيك عن التبعات النفسية.
ولكن هذه الخسة في الآراء الطبية تتضاءل رغم ذلك أمام الانتهاكات الأخلاقية التي قام بها الأطباء والنفسيون المتورطون. إن من يمارسون المهن الطبية تقع على عاتقهم مسؤولية تمتد أبعد من مجرد المشاركة في التعذيب؛ فالمثل المأثور يقول "أولا لا تفعل أي ضرر." أما هؤلاء الأطباء فقد فعلوا النقيض تماما.
ورغم ذلك، لم تقم أية وكالة – لا البنتاجون ولا السي آي إيه ولا مجالس تقديم الرخص في الدولة ولا الجمعيات الطبية المهنية – ببدء أي نوع من التحقيق، ناهيك عن العقاب، مع هؤلاء الأفراد. لقد تجاهلوا الانتهاكات الجسيمة المروعة من قبل العاملين في المجال الطبي. إنهم بهذا يضرون بشكل غير مقبول بالآلاف من الأطباء والنفسيين ذوي الأخلاق في المؤسسة الطبية بالبلاد. لم يتأخر الوقت بعد لإجراء التحقيقات؛ بل يمكن أن تبدأ الآن.
* ليونارد روبينستين: أستاذ زائر بمدرسة الصحة العامة بجامعة جون هوبكنز.
* ستيفن زيناكيس: طبيب نفسي وعميد متقاعد في الجيش.
