جمال جمعة
القيادة الفلسطينية المنتخبة هي قيادة ضعيفة. وحتى في ظل زيارة نائب
الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إسرائيل والضفة الغربية والأردن هذا
الأسبوع، تبدو عملية السلام المتجددة في الشرق الأوسط أكبر قليلا من مجرد
مهزلة.
لقد اغتنمت إسرائيل هذه الفرصة لسحق الفلسطينيين الذين يناصرون
الاحتجاجات غير العنفية على جدار الفصل الإسرائيلي في الضفة الغربية
واتهمتهم بناء على أدلة زائفة أو مشكوك فيها. أعلم أنني تم اعتقالي بسبب
التحدث كثيرا. إن كل ما نريده نحن الفلسطينيون هو حياة خالية من التمييز
العنصري.
خلال عام 2009، تم اعتقال 89 من المحتجين سلميا على جدار الفصل العنصري؛ ومنذ يناير الماضي، تم اعتقال أكثر من 40 آخرين.
إن تأييد الرئيس الأمريكي للاحتجاج غير العنيف يمكن أن يقطع شوطا
طويلا. ومع ذلك فإن الفشل المتكرر للرئيس أوباما في حماية الحقوق والسلام
الذي يدعو إليه هو ضربة قوية للفلسطينيين. وبصفة خاصة الآن حيث لجأ
الإسرائيليون إلى سحق القاعدة الشعبية الفلسطينية التي تشبه أتباع غاندي
ومارتن لوثر كنج.
إن قوة وأهمية الاحتجاج غير العنيف قريبة جدا من قلب أمريكا. فبعد
عقود من الاعتصام التاريخي للأمريكيين من أصل أفريقي في متجر وولورث
الشهير، مازال الفلسطينيون يعيشون تحت نظام لا يختلف عن نظام جيم كرو. إن
أصدقائي الفلسطينيين من الضفة الغربية لا يستطيعون تناول العشاء معي في
مطعمي المفضل في القدس؛ حيث لابد لهم من الحصول على "إذن" إسرائيلي
لزيارتي، وهي المنحة التي لم يحصل عليها منهم إلا قليل. ومن يجرؤ على ذلك
فمن شأنه أن يواجه العديد من نقاط التفتيش أو يواجه الأحكام العرفية
الإسرائيلية. أما بالنسبة لأصدقائي في غزة، فإن الحصول على إذن لزيارة
القدس ليس إلا حلما. وفي الأثناء، يعيش المستوطنون الإسرائيليون بشكل غير
قانوني على أرضنا، ويمرون عبر نقاط التفتيش بحرية، ويسافرون بحرية. ولا
تنتهي القصة عند هذا الحد. فقد قام أحد أقوى الجيوش في العالم بقصف مدننا
في غزة بالفوسفور الأبيض وحاصرنا في بانتوستونات منعزلة متقلصة، ولم يواجه
أي عقاب.
ولكن، في كل يوم جمعة يقوم القرويون الفلسطينيون، ممن يفقدون أراضيهم
الزراعية الخصبة لصالح جدار الفصل الإسرائيلي، بالاحتجاج بالطرق السلمية،
حيث يقوم الفلاحون غير المسلحين ومعهم أسر بأكملها بمسيرات دفاعا عن
أراضيهم. وهم يفعلون ذلك على الرغم من مقتل ستة عشر فردا منهم، أغلبهم من
الأطفال. وهم يواصلون هذا الاحتجاج على الرغم من إصابة الآلاف منهم أيضا.
في شهر أكتوبر الماضي، عبرت عن قلقي بشأن اعتقال زميلي محمد عثمان.
وقبل اعتقاله بفترة وجيزة، أخذه الجنود الإسرائيليون في إحدى نقاط التفتيش
بالضفة الغربية جانبا وحذروه قائلين "سنعتقلك، ولكن المسألة صعبة معك لأن
كل ما تفعله هو الكلام." وقتها كتبت قائلا "لو كان الكلام جريمة، ولو كانت
مناشدة المجتمع الدولي لإيقاف إسرائيل للمحاسبة على سرقتها لأراضينا
جريمة، إذن فنحن جميعا معرضون للعقاب." وبعد ذلك بأقل من شهرين، كنت أنا
أيضا قابعا في زنزانة سجن إسرائيلي – بتهمة الكلام الكثير. وعندما جروني
من بيتي، هددت قوات الاحتلال الإسرائيلية أسرتي قائلين إن أسرتي لن تراني
مرة أخرى إلا بعد صفقة لتبادل الأسرى.
ولأننا نحن الفلسطينيين نخضع للاحتلال العسكري، حيث القرارات
العسكرية تحد بشدة من النشاط السياسي، فإن النضال من أجل حقوقنا الإنسانية
الأساسية هو، كأمر افتراضي، جريمة. فبمجرد اعتقال المحتجين فإنهم لا
يواجهون محاكمات أمام محاكم مدنية، ولكن أمام محاكم عسكرية تقوم بشكل صارخ
بانتهاك المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
ولكن لحسن الحظ، طالب أفراد في كل أنحاء العالم، بما فيهم دبلوماسيون
أوروبيون، بإطلاق سراحي. كما كان دور منظمة العفو الدولية مهما في افتراض
أن الناشطين المحتجزين من أمثال عبد الله أبو رحمة ومحمد عثمان وأنا وهم
في الحقيقة سجناء رأي. وقد تم إطلاق سراحي أنا وعثمان في غضون أسبوع من
تدخل منظمة العفو الدولية.
ولكن عبد الله أبو رحمة من قرية بلعين بالضفة الغربية مازال في
السجن. وتهمته هي "امتلاك غير قانوني" لمعدات خاصة بالجيش الإسرائيلي؛ وهي
التهم التي تأتي بسبب امتلاكه لاسطوانات غاز مسيل للدموع فارغة وطلقات
فارغة، يحتفظ بها كدليل على الوسائل التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي ضد
القرويين عندما يحتجون على المصادرة غير القانونية لأراضيهم.
في الشهر الماضي، قام أربعون جنديا إسرائيليا باقتحام مكتبنا في رام
الله، حيث أمضوا ثلاث ساعات يقلبون محتوياته رأسا على عقب ويصادرون
الوثائق والأبحاث وأجهزة الحاسب الآلي والمعدات الكهربائية.
منذ أكثر من ستة أشهر، ألقى الرئيس أوباما خطابا قويا في القاهرة أكد
فيه على التزام أمريكا بتعزيز حق الإنسان في "التعبير عن رأيه"، ليكون
هناك "ثقة في حكم القانون والإدارة المتساوية للعدالة،" وكلها عناصر
أساسية للديمقراطية. سيطر خطابه بصفة مؤقتة على جزء كبير من الشعب
الفلسطيني، وخاصة هؤلاء منا الذين يمارسون عدم العنف الذي يناصره أوباما.
وكنا مفعمين بالأمل بشكل حذر. ولكن تحول أوباما السريع شبه الكامل فيما
يتعلق بالنشاط الاستيطاني الإسرائيلي وصمته في وجه الهجوم الإسرائيلي على
حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية الفلسطينية كان بمثابة صدمة للذين
تجرأوا منا على الأمل. ولأن أوباما غير عازم على الوقوف في وجه رئيس
الورزاء بنيامين نتانياهو ونقاده في الداخل، فإن قادة المجتمع المدني
الفلسطيني يصبحون عرضة للاعتقال بلا أي قيود من جانب القوات الإسرائيلية
في منتصف الليل.
يقول النقاد في أمريكا إن الحل هو أن يظهر غاندي الفلسطيني من داخل
مجتمعنا. ولكن هذه تبدو فكرة غير قابلة للدفاع عنها عندما يتم قتل شباب
فلسطيني غير مسلح وغانديون فلسطينيون حقيقيون مثل باسم أبو رحمة على يد
الجيش المحتل ويواجهون بانتظام العنف في مقابل اللاعنف.
ما يريده الفلسطينيون هو مطالب بسيطة: حق تقرير المصير، وحق اللاجئين
في العودة، وحياة خالية من التمييز العنصري، ونهاية للاحتلال الوحشي،
والتفكيك الفوري لجدار الفصل غير القانوني.
منذ أقل من خمسين عاما مضت، ألهمت حركة الحقوق المدنية الأمريكية
الشعوب في كل أنحاء العالم بنجاحاتها المتعددة في السعي للتغيير الاجتماعي
من خلال الوسائل غير العنيفة. ولكن اليوم، لا يلهم نائب الرئيس الأمريكي
جو بايدن أحدا عندما يزور إسرائيل ويفشل في إدانة الاحتلال والمطالبة بصوت
أخلاقي واضح بالحرية للفسطينيين. ولكن بدلا من ذلك، قامت أمريكا بتقديم
ثلاثين مليار دولار على مدى السنوات العشرة الماضية لإسرائيل كمساعدات
عسكرية. وقد ظل أوباما صامتا عن قضية الاحتجاجات الفلسطينية غير العنيفة.
إنه بتحدثه بصوت مرتفع عن المجتمعات التي يدمرها الجدار العازل وعن
المحتجين الذين يتم قتلهم أو تشويههم وعن قادة المجتمع الذين يتم اعتقالهم
في منتصف الليل، فإن الرئيس الحائز على جائزة نوبل للسلام لن يصبغ كلماته
التي ألقاها في خطاب القاهرة بالمعاني فحسب ولكنه بذلك سيعزز العناصر
الأساسية للديمقراطية.