كتب - أحمد إبراهيم
من يدري أن ما حصل بنيجيريا الأحد الماضي يكون قد تكرر هذا الأحد هنا
وهناك وقد يتكرر في أي مكان وزمان، إذ أن العروض المتجددة على الشبكة
العنكبوتية بسخاء لآخر لحظة وبألف طريقة التوائية بإنطباعات متشابهة توحي
بأن الحاصل بنيجيريا بعيدة كل البعد عما يحصل عادة في الأرياف بين
المزارعين والرعاة، وإنما هو تحصيل حاصل عن العنف الإسلامي المعهود دائما
من المسلمين على المسيحيين في مناطق كنيجيريا ودارفور السودان وحمادىُّ
أقباط مصر، بل وتأكيدٌ على ان موسى بدينه وعيسى بدينه أينما وجدا وصلهما
محمد بسيفه.!
ماحصل هذا الاسبوع من هذا الشهر كان قد حصل في الأسبوع الأول من شهر
يناير بنفس المنطقة التي شهدت موجة عنف دينية أسفرت عن مقتل أكثر من 300
شخص، غالبيتهم من المسلمين، في (جوس) ومحيطها وتم العثور على عشرات الجثث
في آبار. إنها منطقة الشياطين تدخلها بلا تأشيرات وبجوازات سفر مزورة
وبشفرات أشد حدّة واختراقا عن تلك التي جاءت بشياطين الإنس الى دبي لقتل
المبحوح وقد يغادروها دون ختم الحرمان إلى مطارات أخرى بدءا بقاهرة
المليون مئذنة وأقباط الكنائس ولبنان وعراق وغيرهما من عواصم متعددة
الحضارات والثقافات في العالمين العربي والإسلامي، ولايخضعون للرقابة
الصارمة إكراما للبشرة البيضاء والعيون الزرقاء.
الإعلام بكل شيء دون ان تتطرق من قريب او بعيد الى ما أدلى به الأمين
العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين احسان أوغلي الذي صرح في اقل من
72 ساعة وحتى قبل بابا الفاتيكان بالإدانة والدعوة الى المصالحة والسلم
الدائم بين المسيحيين والمسلمين .. ولم تصحّح الواجهات الإعلامية من
التلفاز والمذياع والشبكة العنكبوتية وكلها موجهة ضد المسلين والعرب ما
صحّحته شرطة بلاتو رسميا ان حصيلة 500 قتيل المعلنة سابقا كانت "مفبركة".!
كما ولم تنقل شيئا من البيان الرسمي لإذاعة الفاتيكان: "إنهم لا يقتتلون
بسبب التوراة والقرآن، بل من اجل مطالب قبلية ومادية إلخ...".
ويوافقني المتتبّع للأحداث ان الأبواق الإعلامية المعادية للعرب
والمسلمين لازالت تقول الكثير باستثناء أعمال عنف عرقية دينية سببها وجود
الإسلام (الدخيل) والمسلمين (الدخلاء) في نيجيريا ضد سكانها الأصليين
المسيحيين، فقتل المسلمون الدخلاء الرعاة ومربوا الماشية أكثر من 500 من
المسيحيين من النساء والأطفال والمسنين من قبائل بيروم التي تعرضت للإبادة
بالحرق والقتل بالفؤوس والسواطير والمناجل في منطقة جوس (وسط).
ومن يقرأه بعقله لم يعد يجد نفسه بين سطور الأخبار بصياغات خبرية
قدرما يتلقاها بإيحاءات توجيهية على أنها أعمال عنف عرقية دينية سببها
وجود المسلمين بنسبة 50% وهي الفئة المستضعفة من الفقراء والمزارعين ورعاة
الماشية بين 140 مليونا من سكان نيجيريا، وبجانبهم المسيحيين بنسبة 40%
الى جانب 10% ممن يمثل المعتقدات المحلية الأخرى، في دولة عضوة في منظمة
الأوبك وبمقدمة الدول الإفريقية المصدرة للنفط وبين 250 مجموعة عرقية أخرى
في أكبر دول غرب أفريقيا من حيث عدد السكان بجمهورية نيجيريا الاتحادية
التي حصلت على استقلالها من المملكة المتحدة في الأول أكتوبر 1960 .
نيجيريا المستقلة بمساحتها 923.768 كم2، بغرب القارة الإفريقية تحدها
من الشمال والشمال الغربي "النيجر" ومن الشمال الشرقي "تشاد" ولها حدود
مشتركة من الشمال الشرقي، والسواحل الجنوبية ومن الغرب مع كل من
"الكاميرون" وخليج "غينيا" ودولة "بنين" .. معاناتها ليست مساحتها
الجغرافية وانما المساحات السياسية لثلاث قبائل تتصارع فيما بينها، وهي:
في الشمال قبيلة "الهوسا" وتضم المسلمين، وفي الجنوب الغربي والشرقي
قبيلتي "اليوروبا" و"الإيبو" تضمان الغالبية المسيحية، وكلما حصل اشتباك
بين تلك القبائل الريفية المتنازعة عادة على الاراضي والماء والري
والمحاصيل، تنفخ الإعلام الغربية المعادية ومعها العربية (عن قصد أو جهل)
لتنقل كل شيء وأحيانا لاشيء على أنه الإسلام فإنه الإرهاب وأن العرب
قادمون بسيوفهم.
ويقال مما يقال إن العائد الى نيجيريا هو الرئيس النيجيري المريض عمر
يارادوا بعد اسبوعين من العلاج من مرض في القلب بالسعودية، ولم يظهر
الرئيس (58 عاما) في أية مناسبة عامة منذ عودته فأثارت عودته السرية في
منتصف الليل رغم وهنه وعدم قدرته على الحكم مخاوف من ان الدائرة المقربة
منه وخاصة زوجته تفتعل هذه المسرحية للاحتفاظ بنفوذها بتصفية حسابات عرقية
ثم وبتدخل العسكر على أنها تحمي الحكومة من ان تصاب بشلل زوجها المريض
وعلى أنها هي المنقذة الحامية للدماء والبنوك والنفظ والغاز معا.
وتنطلق أسطورة أخرى على أن جرائم القتل المتبادل في نيجيريا ودارفور
ما هي إلا تكرار لأسطوانة بدائية البشر من أسطورة هابيل وقابيل من صراع
الرعاة والمزارعين على أن قابيل كان مزارعا وهابيل كان راعيا، او أن هابيل
كان يعبدالله وقابيل يعبد النار، فحصل شباك بين الشرك والإيمان.
تهتُ والتائه يسأل طبعا، فاتصلتُ يوم الخميس على مدام "كارلا"
النيجيرية التي تكبرني بعشر سنوات وتفوقني نشاطا وحيوية اضعافا مضاعفة
وتحمل الدكتوراة في الهندسة الزراعية كنت قد تعرفت عليها على ظهر الباخرة
التي اقلتنا معا قبل عشرين سنة من جزيرة مالطا الى ليبيا ثم وبعد أسبوعين
أعادتنا نفس الباخرة معا الى مالطا ومنها إلى أمستردام، فاتصلت أواسيها
على انها مسيحية تحب الاسلام والمسلمين، على الموتى المسيحيين وكم عددهم؟.
فقالت يا احمد وما لك بعدد الموتى وأسباب الموت بنيجريا التي يلد
فيها سنويا خمسة ملايين، وقد مات الآن وقبل قليل امامي اكثر 40 شخصا وأصيب
10 آخرون بحروق خطرة قد يموتون لاحقا نتيجة تعرضهم لصاعقة كهربائية في
حادث قد يكون بشعا في نظرك وعاديا في نظر النيجيريين الذين يعانون يوميا
اكثر من 18 ساعة أزمة كهرباء في عاصمتها ابوجا، واكثر بمناطق أخرى لبلاد
غنية بالنفظ والغاز وفي أمسّ الحاجة لاكثر من 10 آلاف ميجاوات، وهي لاتولد
2000 ميجاوات، فيلامس هذا النيجيري المقهور على حظه كابلات قدرتها 33 كيلو
فولت في الطرق، وهذا ما حصل مع هؤلاء المساكين اليوم الخميس مع سقوط
الأمطار بغزارة على مدينة بورت هاركورت بجنوب غرب نيجيريا فحدث ماس وانفجر
الكابل جنبهم وهم ينتظرون الحافلات العامة وبينهم أطفال ونساء وعجزة
تحولوا الى جثث متفحّمة .. وأنا متأكدة (والكلام للدكتورة كارلا) أن
العسكر سيتدخل بتحقيقات إعلامية مفبركة عن إهمالات عمال الكهرباء في
الولاية وتتم معاقبتهم بالسجن والاعتقال ثم تبرز على الواجهات صورة حرم
سعادة الرئيس.
يا أحمد (ولازال الكلام لها) أنا لا أرى في الشارع النيجيري مستر
أنطوني والسيد محمد بالجنيسة النيجيرية في صراع على التوراة وأسفهارها
والقرآن وأسوارها، إنها عصابة الشياطين يا أحمد، قد تصلكم كما وصلتنا،
لأنها بتأشيرات مفتوحة على جوازات مزورة لاتخضع لختم الحرمان، عليكم
بطردها من الباب الأمامي ولاتسمحوا لها العودة من الباب الخلفي او التسلل
خلسة من السطوح.
*كاتب إماراتي