جابرييل ريفكيند
احتلت الأزمة الدبلوماسية التي أعقبت المزاعم بأن الموساد هو الذي قام باغتيال محمود المبحوح في دبي قمة ما يبدو أنه طريق مسدود دائم في وجه حل الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن هستيريا الصراع والمسرحيات الدرامية الناشئة عنه تميل إلى أن تكون هي السائدة أكثر من الخطوات المتأنية لحل الصراع.
وعندما يتعلق الأمر بإسرائيل وجيرانها الإقليميين، فإن اللغة العدائية غالبا ما تتفوق على جهود صنع السلام في صراع يبدو في أغلب الأحيان مستعصيا على الحل. ولكن الانفتاح المحتمل على المسار الإسرائيلي السوري يستحق الانتباه لأنه يستطيع أن يقدم تحركا في عملية تعاني من الإرهاق والسخرية.
لقد كشفت الضجة الأخيرة حول المفاوضات السورية الإسرائيلية المحتملة عن الحد الذي وصل إليه انعدام الثقة وخطر سوء الفهم بين العدوين القديمين. وقد اشتعلت المعركة الكلامية عندما أعلن إيهود باراك، وزير الدفاع الإسرائيلي، أنه من المهم للغاية استئناف محادثات السلام مع السوريين لأنه بدونها سيكون هناك احتمال لاشتعال الحرب بين الجانبين. وقد تم تفسير ملاحظاته في دمشق على أنها تهديد بشن الحرب.
وبعد ذلك بوقت قصير، قال باراك: "هذا جوار صعب، وليس هناك رحمة بالضعيف." وخلف هذا التصريح كان هناك الاعتقاد بأنه لو أن الكلمات يمكن أن تستخدم مثل الرصاص فإن العدو من شأنه أن يأتي إلى الطاولة من أجل تصعيد الصراع.
إن الاعتقاد بأن المشاغب فقط هو الذي يستطيع الفوز هو اعتقاد شائع في منطقة السياسة فيها هي في الأغلب رائحة لمواقف مفتولي العضلات. والوضع النموذجي هو أن القبضة الحديدية فقط هي التي ستجلب الأمن، وليس هناك أي حساب يتم أخذه في الاعتبار للعواقب الوخيمة للحرب. أما معالجة المظالم المشروعة للصراع فيتم نبذها بسهولة تامة على أنها مجرد ضعف – وتظل في كل الحالات مستحيلة إذا لم يستمع أحد إلى ما يقوله الطرف الآخر.
ولكن وليد المعلم، وزير الخارجية السوري، يكشف عن منهج مختلف تماما لإحياء محادثات السلام. ففي لقاء لي وبعض زملائي معه في ديسمبر من العام الماضي، قال المعلم: "من أجل صنع السلام تحتاج إسرائيل إلى أن تكون مستعدة للاعتراف بأن سوريا تستحق كل شبر في مرتفعات الجولان، ولكننا نود الارتباط بالمحادثات. وبالنسبة لنا، الأرض مقدسة وهي مسألة شرف."
وقد افترض المعلم أن سوريا جاهزة للتفكير في منهج خطوة بخطوة لعودة مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967. "يمكن أن تكون هناك مراحل للانسحاب، تتضمن توقيتاتها بعض أشكال التطبيع. إن نصف مرتفعات الجولان يمكن أن يقود إلى إنهاء العداء؛ وثلاثة أرباعها يمكن أن تقود إلى إنشاء قسم خاص بالمصالح في السفارة الأمريكية في دمشق؛ أما الانسحاب الكامل فمن شأنه أن يقود إلى إنشاء سفارة سورية في إسرائيل." أما القضايا المحورية، مثل دعم سوريا لحماس وحزب الله وسياستها تجاه إيران، فسوف يتم حلها، كما قال المعلم، "بعد الانسحاب."
أما فيما يتعلق بتوسط طرف ثالث، فالسوريون يفضلون إجراء محادثات غير مباشرة من خلال تركيا، التي عملت سلفا على تعريف حدود عام 1967. هذه القضية العالقة هي بمثابة ترسيم الخط على الماء بين سوريا وإسرائيل، وتحديد من الذي يسيطر على شاطئ بحيرة طبرية.
والخطوة التالية، كما يقول المعلم، "ستستلزم محادثات مباشرة مع أمريكا لمعالجة المخاوف الأمنية. والقضية المحورية هنا هي تحليق الرحلات الجوية الأمريكية فوق مرتفعات الجولان من أجل توفير الأمن."
من وجهة نظر سوريا، فإن تركيا تلعب دور الوسيط النزيه. ولكن العلاقات بين إسرائيل وتركيا قد تدهورت بعد حرب العام الماضي في غزة، والخلاف الدبلوماسي الأخير لا يبشر بخير لأي اعتراف إسرائيلي بحسن نوايا تركيا كوسيط.
ولكن إصرار تركيا على أنها لن تتفاوض على أي تغيير في علاقاتها مع حزب الله وحماس إلا بعد عودة الجولان فهو أمر يصعب على إسرائيل ابتلاعه. وذلك لأن إسرائيل تعتقد أن سوريا تلعب دورا نشطا وفعالا في تمرير الأسلحة الإيرانية لهاتين المنظمتين.
لو نجحت كل من سوريا وإسرائيل في تسلق القمة المبدئية للتوصل إلى اتفاق بشأن الجولان، فإن النظر من أعلى ربما يكون مختلفا اختلافا جوهريا. كما أن الدور المحتمل لسوريا كوسيط بين إسرائيل وحماس وحزب الله يمكن أن يحسّن بشكل كبير من فرص التوصل إلى هدنة طويلة المدى – أو حتى إلى حل دائم – بين هذه الأطراف. وبدون أية عملية قانونية، فإن الخيال الخادع سيجعل هدوءا مؤقتا يسود ولكن مع الأخطار المتمثلة في تصعيد العنف، ما قد يؤدي إلى الصراع.
وكما هو الحال في الصراع دائما، ليست المباراة النهائية هي المشكلة، ولكنها العجز عن إيجاد طريق للحل – لأسباب ليس أقلها العواقب الوخيمة لانعدام الثقة التي لا تنتهي والتي تضع نغمة مشؤومة لصنع السلام. هذه الظروف هي التي يجب فيها أن يصبح توسط طرف ثالث أمرا محوريا لاحتضان أية عملية وتهدئة الطباع ضيقة الأفق. وتحتاج كل من تركيا والولايات المتحدة الآن إلى لعب دور فعال.