سمير الجمل
كان شعار الدولة اليهودية وحلمها "من النيل إلى الفرات " .. ويبدو أنهم في تل أبيب أدركوا أن هذا الحلم .. ليس بالصعب أو البعيد .. ويبدو أنهم ضاقوا وأصابهم الملل وبحثوا عن شعار جديد يؤكد للعالم دائما وأبدا أنهم أهل الأرض في فلسطين وأن تفضلهم بإعلان دولة اخرى لا يتجاوز "حسنة" يقدمونها تفضيلا وبركة .. وخزيا لعيون العرب والعالم ومنعا للإزعاج .. ومن هذا المنطق نقترح عليهم أن يكون شعارهم الجديد هو "من الهرم إلى الحرم " .. فقد سبق للصهاينة وأن أعلنوا في بجاحة منقطعة النظير أن أجدادهم هم الذين قاموا ببناء "الهرم" .. وهاهم يضعون أيديهم على "الحرم" ويضمونه إلى تراثهم التاريخي .. مع أنهم دولة بلا تاريخ وبلا تراث.
العجيب في الأمر أن الدولة التي تحارب بكل قوة ربط الدين بالسياسة .. وتصر على أنها دولة يهودية أي دينية .. والأعجب أنها تفخر بما يسمى الديمقراطية ولكنها في الوقت نفسه تغتال كل محاولة.. لإيجاد ديمقراطية.. نقوم على احترام الأديان وحق الآخرين في الحياة .. كما تعيش دولة إسرائيل.
وما حدث مؤخرا وإن أزعج العرب لكنه مجرد خطوة في مسلسل طويل بدأ مع قيام الدولة العبرية عام 1948 وقبل قيامها .. من محاولات تزييف التاريخ والحقائق .. ووضع اليد على المقدسات الإسلامية وتهوديها .. فعلوا هذا مع حائط البراق الذي تلاشى اسمه حتى في إعلامنا العربي وأصبح اسمه المتداول "حائط المبكى" ثم امتد إلى المسجد الأقصى .. وكانت اللعبة الخبيثة التي تم من خلالها تقديم صورة قبة الصخرة على أنها المسجد الأقصى .. وللأسف انخدعنا جميعا أو خدعنا أنفسنا .. وبلعنا الطعم وبدأنا نحن أيضا نروج لهذه الصورة بعد أن اكتشفنا ذلك .. وقد قلنا من قبل أن الأنفاق التي تم حفرها تحت المسجد الأقصى الشريف، وترك مياه الصرف الصحي تأكل الجدران والأساسات .. ماهي إلا عمليات لسقوط المسجد بشكل يبدو كما لو كان طبيعيا.
وكالعادة سنظل نصرخ ونشجب وندين .. ثم تهدأ عاصفة الغضب وتستمر إسرائيل في مخططها وتنفيذه بقوة وكالعادة سنطالب الأمم المتحدة ومنظمتها خاصة اليونسكو بالتحرك .. ونكتفي نحن بالسكون.. حتى بعد أن أعلن العرب عن اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية .. نجحت إسرائيل في إفساد المغزى من هذا الاختيار وهنا يجب أن نفرق بين الحرم المقدس نسبة إلى المسجد الأقصى الشريف .. والحرم الإبراهيمي .. وقد اختلط الأمر على الناس .. ولهذا يجب إنعاش الذاكرة بالمذبحة التي وقعت عام 1994 في هذا الحرم الذي يرجع تاريخه إلى أكثر من ألفي عام وكان في الأصل بعد الحرب الصليبية ثم ارتدت مسجدا .. وهو أمر كما هو واضح لا علاقة لليهود به من قريب أو بعيد .. وهو كما تقول الوثائق يضم قبر سيدنا إبراهيم ومعه قبور إسحاق ويعقوب وزوجاتهم سارة ورفقة وليفة وإيليا .. أم قبة راحيل أو مسجد بلال بن رباح .. فهما في بيت لحم وقد أحاطت إسرائيل هذه المنطقة بسور منيع في ظل احتياطاتها التي يقال إنها أمنية ولأن التاريخ الأسود ليس قاصرا فقط على مسألة الاعتداء على مقدسات المسلمين فقط .. بل إنها دمرت الكثير من الرموز المسيحية المقدسة ..
لهذا قد يختلف الأمر إذا ما تكاتف الهلال مع الصليب لوقف محاولات الهيمنة التي يقودها أرباب نجمة داوود .. وهو أيضا برئ مما يحدث باسمه .. لأن الأنبياء جميعا سواء عند الله .. لا نفرق بين أحد منهم .. وبالتأكيد لا يفرح النبي داوود عليه السلام بما يحدث الآن من هؤلاء الذين يدعون أنهم أحفاده وأنهم حريصون على هيكله .. فما عرفنا أبدا أن محمدا صلى الله عليه وسلم حارب عيسى عليه السلام ولا تجاوز مع موسى كليم الله .. ولا سائر الأنبياء .. والمسجد الأقصى الشريف لو كان يتكلم سيحكي ما جرى في رحلة الإسراء المقدسة عندما صلى كافة الأنبياء صلوات الله وسلامه وتحياته عليهم أجمعين .. ولا نظن أن اليهودي الحقيقي الذي من حقه أن يحافظ على ديانته يسعده أو يرضيه أن يأتي ذلك على حساب الديانات الأخرى .. لهذا فإن عمليات التزوير والتزييف المستمرة والتدمير لمقدسات الإسلام والمسيحية .. تتم بأيدٍ صهيونية وليست يهودية .. وحكومات تل أبيب المتعاقبة تلعب السياسة بمفاهيم يقال إنها دينية .. وهو ما يؤكد هذا الخلط المتعمد بين هذه وتلك .. وما يجعلنا نفرق بينهما ..
وعلى العرب وعلى العالم كله من مسلمين ومسيحيين تغيير أسلوب البيانات والمطالبات والمناشدة للأمم المتحدة .. لأن هناك العديد من القرارات التي أصدرتها هذه المنطقة والمؤسسات التابعة لها وحولتها إسرائيل إلى مجرد أوراق لا قيمة لها ولا معنى .. بفضل الفيتو الأمريكي .. الذي يساند تل أبيب على طول الخط .. فإما أن يتحرك العرب بشكل عملي وفعلي ومؤثر .. وإما أن يسلموا كل شيء إلى إسرائيل من الهرم إلى الحرم .. ومن النيل إلى الفرات .. ونرفع الراية البيضاء وينتهى الأمر فهل يختلف الحال هذه المرة؟! .. لا أظن.